Sunday, April 22, 2007

من أجمل ما قرأت

من مقال: ويل لأمة مغصوبة اللسان‏!‏
للأستاذ فهمى هويدى
(منقول بتصرف)

‏ لقد كتبت في موضوع أزمة اللغة العربية في بلادها منذ ثلاثة أسابيع منبها إلي أنها من علامات انكسار الأمة‏,‏ واستشهدت في ذلك بمقولة بليغة لابن حزم نبه فيها إلي أن اللغة يسقط أكثرها بسقوط همة أهلها‏,‏ الأمر الذي يعني أن محنتنا ـ في عمقها ـ ليست في عثرات اللسان‏,‏ وإنما هي في اعوجاج عموم الحال‏.‏ قلت أيضا إن الدفاع عن اللغة الوطنية هو دفاع عن الذات‏,‏ وأن احترامها هو احترام للذات‏,‏ وانتهاك حرمتها من أعمال احتقار الذات‏.

لقد أصبحت الأخطاء النحوية من سمات الخطاب الإعلامي في زماننا‏,‏ وصارت لدينا برامج تحمل أسماء أجنبية‏,‏ ومسلسلات حافلة بالعبارات المسفة التي تنتقل إلي ألسنة الناس‏,‏ يتم تعميمها وتداولها علي أرصفة الشوارع‏,‏ وأصبحت العامية المبتذلة لغة للكتابة في بعض الصحف‏,‏ حتي لم يعد هناك فرق بين ما تنشره تلك الصحف وما يتم تداوله في الأزقة وعلي المقاهي‏(‏ زمان كان الكاتب يسمي أديبا‏!).‏

لقد أصبحت إعلانات الصحف تجسد المأساة‏,‏ وصار بعضها مستفزا ومثيرا للغثيان‏.‏ ففضلا عن الأخطاء النحوية الفاضحة التي تظهر في إعلانات مؤسسات كبري عريقة‏,‏ البنك الأهلي المصري مثلا‏,‏ فإن العامية السوقية تسربت إليها‏.‏ ففضلا عن الإيحاءات المبتذلة التي تشبه تلك التي يطعم بها بعض المخرجين أفلام ومسرحيات القطاع الخاص‏,‏ وليس بمقدوري هنا أن أعرض نماذج لتلك الإعلانات البذيئة التي تنشرها صحف محترمة للأسف‏,‏ لكن هناك إعلانات أخري يحتمل المقام والسياق نشر بعض فقرات منها‏,‏ إذ تقول مثلا‏:‏ عاوز تجرب الشاورمة اللي تجنني‏..‏ وبعد كده تقعد وتنبسط وانت بتشرب الشيشة المتميزة؟ شرفنا بالزيارة في المطعم الفلاني‏!‏ لو عاوز محل مالوش حل‏(‏ إعلان في سوق جديد‏)‏ يخللي الدنيا ترقص حواليك‏,‏ والنوم ما يعرفش عينيك‏(‏ إعلان في تليفزيون‏),‏ تحت صورة يقف فيها شاب وسط ست فتيات مراهقات كتبت العبارة التالية‏:‏ للأسف ما تشيلش أكثر من‏6..‏ وفي ركن جانبي من الإعلان ظهرت عبارة أخري تقول‏:‏ خللي الشباب يهيص‏!(‏ إعلان عن سيارة صغيرة جديدة تضمن دعوة إلي ممارسة الفعل الفاضح‏!).‏
إن الإعلام بحاجة ملحة لأن يراجع خطابه احتراما لرسالته‏,‏ وللغة التي ينطق بها‏.‏

يؤثرني الشاعر الجزائري الشهير مالك حداد قوله‏:‏ أنا المنفي في اللغة الفرنسية‏,‏ لأن لسانه العربي قطع منذ صغره وفرض عليه المستعمرون لغتهم الفرنسية‏,‏ وحينما كتب الأديب الفرنسي لوي آراجون في الخمسينيات أن أعذب شعر قرأه هو ما نظمه مالك حداد‏,‏ فإنه رد عليه قائلا‏:‏ أنا أرطن ولا أتكلم‏,‏ إنني معقود اللسان‏,‏ نعم يا آراجون إنني لا أغني‏,‏ ولو كنت أعرف الغناء لقلت شعرا عربيا‏..‏ وهذه مأساة لغتي‏.‏ لقد شاء الإنسان أن يكون في لساني آفة‏..‏ في لساني عاهة‏..‏ لا تلمني يا صديقي إذا لم يطربك صداحي‏..‏ لقد كنت في طفولتي أنادي أمي‏:‏ ياما‏..‏ أما في شعري فأقول عنها‏:‏ مامير‏..‏ أماه‏,‏ ياما‏,‏ هل يمكن أن يكون اسمك مامير؟‏!‏

*‏ إن مؤلف كتاب الاسلام الحربي ـ العالم الإنجليزي ج‏.‏ جانسن ـ تحدث عن أهمية دور الفصل الدراس في تمتين وثبات الشخصية العربية‏.‏ وقال‏:‏ إن الدراسات التي أجراها الإنجليز والفرنسيون في بداية القرن حول هذا الموضوع لاحظت أن تعليم الطفل العربي له دوره في تعزيز تماسكه وصلابته‏.‏ ففي طفولته المبكرة ؟؟؟؟ كان يتعلم‏(‏ في الكتاتيب التي سخر منها أصحابنا‏!)‏ القراءة والكتابة ويختم حفظ القرآن‏,‏ الذي يحتوي علي أهم وأفصح التراكيب اللغوية‏,‏ فيتقنها ولم يزد عمره علي السادسة‏.‏ ثم يستكمل إتقانه للغته فيما بعد لدي تعلمه قواعد نحوها وصرفها وترسخها في ذهنه بحفظ ألفية ابن مالك‏,‏ وبذلك يتفوق الطفل العربي علي غيره بعد ذلك التأسيس‏,‏ الذي ينطلق بعده لينهل من بحور العلم‏,‏ فيكون له شأن آخر‏.‏ لذلك ـ أضاف الدكتور محمود قاسم ـ فقد كان أهم ما عني به الاستعمارين الإنجليزي والفرنسي ـ لتثبيت أقدامهما ـ هو تفكيك المنظومة التعليمية في العالم العربي والإسلامي‏.

إن البعض يريد أن يشوه لساننا العربي أو يقطعه‏,‏ وتلك من علامات الساعة الثقافية والحضارية‏,‏ إذا جاز التعبير‏.‏

ويل لأمة اغتصب لسانها واستسلمت لما يفعل به‏!‏

No comments: